(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
235440 مشاهدة
حجر الفلس

وإذا كانت الديون أكثر من مال الإنسان، وطلب الغرماء أو بعضهم من الحاكم أن يحجر عليه: حجر عليه. ومنعه من التصرف في جميع ماله، ثم يصفي ماله، ويقسمه على الغرماء بقدر ديونهم. ولا يقدم منهم إلا: صاحب الرهن برهنه، وقال صلى الله عليه وسلم: من أدرك ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره متفق عليه .


حجر الفلس
قوله (إذا كانت الديون أكثر من مال الإنسان وطلب الغرماء أو بعضهم من الحاكم أن يحجر عليه، حجر عليه، ومنعه... إلخ)
وهو إما أن يكون ماله الذي يستغني عنه بقدر ديونه أو أكثر من ديونه، ففي هذه الحال يلزمه الحاكم أن يوفي ديونه وإلا سجن، وإما أن يكون ممن ليس له مال أصلا فهذا لا يحجر عليه ولا يلزم؛ لأنه ليس عنده مال أصلا، فليس عنده إلا مسكنه الذي يسكن فيه أو قوته الذي يتقوت به، فليس لأحد أن يشتكيه، وإما أن يوجد عنده مال فاضلا عن حاجياته، ولكن أقل من الدين، فالدين مثلا خمسمائة ألف، والمال الذي عنده يقارب مائة ألف، ففي هذه الحال يحجر عليه.
ومعنى الحجر عليه: أن يمنع الناس أن يشتروا منه، أو يستدينوا منه أو يدينوه، فيقول: احجروا على فلان سلعه التي في دكانه، ولا تتركوه يبيع منها شيئا، ولا أحد يشتري منه، ولا أحد يبيع عليه، ومن باع عليه فلا يدخل في جملة الغرماء المتقدمين، وبعد ما يحجر عليه ويشهر ذلك ويعلن عنه يمنعه من التصرف في ماله، ويصفي الحاكم ماله، فيجمع السلع التي في دكانه- مثلا- أو التي في بيته التي يستغني عنها، ويبيعها الحاكم، فإذا باعها بمائة ألف قسمها على الغرماء كل واحد الخمس؛ لأنا نظرنا إلى الدين فوجدناه خمسمائة، والمال مائة، فالذي له خمسون يعطيه عشرة، والذي له مائة يعطيه عشرين، فكل واحد يعطيه الخمس؛ لأن نسبة المال إلى الدين الخمس.
قوله (ولا يقدم منهم إلا: صاحب الرهن برهنه، وقال صلى الله عليه وسلم: من أدرك ماله... الخ):
أي: يقدم صاحب الرهن على سائر الدائنين، كما لو كان واحد منهم عنده- مثلا- خمسة أكياس من البر رهن، ودينه ثلاثمائة، فتباع الخمسة الأكياس، ويعطى دينه من ثمنها، فإن أوفته فهي بقدر ماله، وإن بقي له شيء فإنه يشارك الغرماء في سهامهم، يعطى الخمس الباقي، فإذا فرضنا -مثلا- أن دينه ثلاثمائة، وبيعت الأكياس بمائتين، وبقي له مائة، فهذه يشارك فيها الغرماء، فيعطى خمسها، وهو عشرين.
كذلك إذا كان إنسان باعه سيارة ولم يقبض منها شيئا، ولم تتغير صفتها، وباعها بعشرين ألفا، وسيارته موجودة، وأفلس الرجل، وجمعت أمواله، فيقول صاحب السيارة: أنا أقبل سيارتي، ولو أنه قد استعملها شهرا أو نصف شهر، فأعطني سيارتي، فأنا لم يصلني من الثمن شيء فأنا أحق بها، وهذا معنى قوله: من أدرك ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره .
أما إذا كان قد أتلف بعضه، إذا كان مثلا قد اشترى منك هذا المفلس كيسين من أرز على أن يبيعها، ثم إنه باع واحدا منها، وواحد باق، فلك أن تأخذ الكيس الباقي بثمنه الذي بعته، والذي باعه تساهم مع الغرماء فيه.